الجمعة، 3 أبريل 2015

تحليل نص قصصي

المستوى : السنة الثانية من سلك البكالوريا-آداب
مكون النصوص
============== تحليل  نص قصصي – ص 150 مبارزة لمحمد إبراهيم بوعلو==========
1)   مقدمة:
أمام  سرعة التحولات الاجتماعية التي شهدها المجتمع العربي خلال القرن 20، ظهرت مجموعة من الأشكال الأدبية النثرية كالمسرحية والمقالة والقصة.
وقد اعتبرت القصة أنسب الفنون الأدبية لتعبير عن تفاعلات الحياة اليومية ومشكلاتها . وهي من الفنون السردية التي تتسم بقدرتها الفائقة على التقاط تفاصيل الحياة الاجتماعية نظرا لما يتيحه لها قالبها التخيلي الذي يصيغ حياة أخرى كمرآة للحياة الواقعية التي تعيشها .ولعل من أبرز من مثل هذا النمط الأدبي في العالم العربي نذكر تيمور ، نجيب محفوظ والمبدع المغربي محمد إبراهيم بوعلو وهو من المبدعين المغاربة الذي خلوفوا إرثا ثقافيا متنوعا بين الابداعات الأدبية والدراسات النقدية. والنص الذي نحن بصدده نموذج من النماذج الإبداعية لهذا الكاتب . فما هي خصائص التجربة القصصية للمبدع     " محمد إبراهيم بوعلو" ؟ وماهي أبعادها الإيحائية والرمزية؟ .
2)     العرض:
لعل من أولى التبعات التي تستوقف القارئ في مستهل هذا النص هي العنوان ، فقد جاء الأخير مختزلا في كلمة واحدة "مبارزة " عير أن ما يحمله من ثقل دلالي ، قادر على إعطائنا صورة بانورامية شاملة عن موضوع هذا النص ، وبالتالي يمكن القول إن العنوان يوحي بوجود صراع بين شخصين أو أكثر حول قضية بالغة الأهمية ولعل هذا الموضوع هو ما سيشكل الحدث المحوري في فضاء هذا النص من هنا يمكن أن نفترض بأن النص عبارة عن قصة ، سيصور فيها السارد مشهدا من مشاهد الصراع البشري الذي نصادفه في كل لحظة من حياتنا اليومية تحكي قصة "مبارزة " عن حالة صراع ثنائي بين البطل وغريمه ، إلا أن هذا الصراع لم يحدث منذ البداية بسبب عدم تكافئ الطرفين من حيث القوة .ولعل هذا هو ما عطل حصول هذا المشهد الذي طال انتظاره من لدن المتفرجين المتعطشين لشل هذا المشاهد الدرامية .
ولكن على الرغم من محاولات البطل في تفادي المبارزة التي سيذهب ضحيتها لا محالة فقد حدث في آخر المطاف أن وافق على منازلة غريمه لعدة اعتبارات ظلت تراوده : كالإحراج والشرف والحب. ولم يكن القارئ بمنأى عما أحسه المتفرجون من شوق حارق لرؤية هذا المشهد إلا أن آماله ستتبدد في نهاية المطاف عندما ننطلي عليه حيلة السارد، ويكتشف في الأخير أن المشهد كله ليس سوى حلم أو كابوس سيندثر بمجرد استيقاظ البطل من نومه.
        وعلى الرغم من تأكيد السارد على أن القصة مجرد حلم إلا أنها تحمل دلالات رمزية تجعلها صورة مختزلة للواقع فعلى الرغم من بساطتها التي قد تحدث في كل لحظة من حياتنا اليومية دون أن ننتسبه إلى مستوى أهميتها فإن حضورها في هذا العمل القصصي يكسبها بعدا اجتماعيا تجسد في تبئير السارد على النوازع والقيم التي تتحكم في سلوكات وانفعالات كل فرد، فلم يكن البطل قادرا على منازلة غريمه لولا أنه أحس بضرورة الحفاظ على شرفه الذي يعطي معنى لوجوده، وهناك قيم أخرى تحضر بوصفها حوافز تتحكم في انفعالات كل فرد وهي الحب، الغيرة، الاحراج، إنها عبارة عن ثوابت تتحكم بقوة في تركيبة النفس البشرية، بل أكثر من ذلك فهي منبع قوة كل فرد إذ لا يكسب رهانه إلا بحضورها و لاينهزم إلا بغيابها ، ولا يمكن إلغاء حضور البعد السياسي لهذه المعاني أيضا فإذا صح أن تكون حبيبة البطل صورة رمزية للوطن، فإن غريمه ليس سوى العدو المتربص للاستحواذ على هذا الوطن ، لذلك اختار البطل الدفاع عن حرمته بدافع الحب والغيرة والشرف.
        وإذا انتقلنا إلى الحديث عن الطريقة التي انتظمت بها أحداث القصة ، فلا يسعنا أن نقول إلا أنها لم تخرج عن البناء النمطي المنتظم في وضعيات ثلاث (وضعية البداية - وضعية التحول – وضعية النهاية) حيث استهل السارد هذه القصة برسم الفضاء العام المؤطر لحدث المبارزة: فصور لنا نفسية الجمهور بمن فيه رفقاء البطل وهم جميعا متعطشون لرؤية هذا المشهد في مقابل نفسية البطل الذي يمتلكه الخوف والضعف والإحساس بالهزيمة قبل أوانها. وقد ساد في هذه الوضعية نوع من الهدوء والاستقرار . غير أن هذا الهدوء سيتبدد بمجرد إدراك البطل بأن الانسحاب سيفقده كل شيء يعطي لوجوده معنى "خطيبته – شرفه" وظل البطل متأرجح بين الأخذ بالمبارزة أو الانسحاب ، ناظرا إلى رفاقه نظرة الخائب الذي غدر به أصدقائه في حالة الشدة.
وقد ساهمت كل هذه النوازع النفسية المتناقضة في تعقد الأحداث لكن في الأخير سيختار البطل حلا ينهي به هذه الحرب النفسية وهو أن يأخذ سيفه الصقيل وينزل للمبارزة. أما مرحلة النهاية فقد ارتأى فيها السارد أن يكشف في حيلته للقارئ وذلك بتذكيره إياه بأن القصة بكاملها لم تكن سوى كابوس ليلي.
وبالنظر إلى هذه الطريقة في عرض الأحداث وسردها يمكن أن نستنتج بأن السارد اعتمد على تقنية السرد المتسلسل، الذي تجيد فيه قدرته على الحفاظ على خطية الأحداث وعلى تسلسلها المنطقي دون أن يلجأ إلى تقديم حدث على حدث آخر .
أما على صعيد الشخصيات ، فهلنا نستطيع التمييز في هذا العمل القصصي بين شخصيات رئيسية تجسدت لنا شخصيتي البطل وغريمه بوصفهما أبرز من شكل الإطار الخاص لحدث المبارزة .أما باقي الشخوص الحاضرة في هذا المشهد فلم تكن سوى شخوص ثانوية كـ( ( خطيبة البطل- رفقاؤه – الجمهور) وإذا توقفنا قليلا عند الشخصيتين الرئيسيتين فسنجد بأن التناقض هو ما يجمعهما.إذ البطل متسم بالخوف والانهزامية عكس غريمه الذي ظل يمثل موقع قوة ( خصم جبار، شجاع /لايحترم القوانين) إلا أن السمات المميزة للبطل سوف تتأتى بتغير أفكارها ومواقفه حيث سيتخذ الشجاعة والمبادرة بديلين موضوعيين للخوف والانسحاب .
وبالرجوع إلى العلاقة التي تربط بين شخوص هذه القصة سنجد بأن حدث الصراع سيشكل البؤرة التي ستتحلق حولها شبكة من العلاقات القائمة بين الشخصيات .من هنا كان البطل ممثلا لدور "الذات" الرغبة في " الموضوع " وهو تحقيق البطولة والحفاظ على الشرف .وقد كان "المرسل " الذي دفع الذات إلى تحقيق الموضوع هو قيم " الحب الغيرة، والدفاع عن حرمة البطل " فكلا هذه القيم كانت بمثابة حوافز أدت بالبطل إلى تغيير موقفه من فكرة الانسحاب- أما "المرسل إليه" الذي من أجله أراد البطل تحقيق هذه البطولة فيمثله عنصران : خطيبة البطل خوفا من فقدان الشرف والأصدقاء خوفا من العار والإحراج ويمكن تمثيل شبكة العلاقات القائمة بين شخوص  هذه القصة في الخطاطة العاملية التالية:
الذات            

المرسل :
الحب – الغيرة – الشرف

البطل  المرسل إليه:
خطيبة البطل  - أصدقاؤه
                        صراع

المعارض                                            الموضوع:
الخوف – الانسحاب – الضعف                     الحفاظ                                                        على الشرف والخطيبة  
المساعد :
الشجاعة المبادرة الداتية....


وتحمل هذه الشخصيات بالنظر إلى الأدوار التي أسندها لها السارد ، دلالة رمزية عميقة فإذا نظرنا إليها من حيث كونها شخصيات أدمية فإنها ترمز إلى أنماط بشرية مختلفة تدخل في تركيبة المجتمع العربي وفي مجتمعنا نجد نمطا بشريا يعشق الفرجة فقط دون أن يكون له موقف أو مبادرة . والصورة المصغرة لهذا النمط هي صورة أصدقاء البطل الذين لم تحرك فيهم قيمة الصداقة الرغبة في الدفاع والتضحية، أما الغريم فيرمز إلى العدو والظلم في علاقته بالبطل .أما خطيبة البطل فهي صورة مختزلة لقيم، الشرف، العرض، الحرمة ، وشرعية الامتلاك ، لذلك جسدها السارد في صورة خطيبة للزواج بالبطل وليست عشيقة له أو محبوبته.
وإذا انتقلنا إلى عنصر الزمن بوصفه أحد خصائص القصة ، فإن أول ما سنسجله هو الحضور الخافت للإشارات الزمنية الدالة على فترة وقوع الحدث. ولكن رغم غياب الزمن الفلكي ، فإن الزمن النفسي كفيل بتأطير حيثيات الحدث، إذ إن نفسية البطل التي تتسم بالخوف والفزع والتردد في القبول بالمنازلة أو الانسحاب من ساحة المعركة نجدها قد تحكمت في الإيقاع المتباطئ للحدث ( قال في نفسه ، تساءل في سره) وقد عمل هذا الحوار الداخلي على تعطيل الحدث الذي لم نلتمس حضوره إلا في آخر فقرة.
وهناك مؤشر آخر دال على هذا الزمن النفسي، وهو وقوع الحدث في الحلم فقط. ولاشك أن هذه الفترة التي سيستغرقها البطل في كابوسه لم تدم سوى لحظات قصيرة إلا أن هذه اللحظات ، رغم قصرها قد شكلت الإطار العام للقصة بكاملها . وهنا نستحضر التقنيات التي وظفها السارد في تطويل هذا المشهد.ومنها تقنية "الوقفة" التي فسحت له المجال لوصف حيثيات الحدث والتفصيل فيه طيلة سطور وفقرات هذا النص.
         وعلى عكس الزمن، نجد حضورا مهما للإشارات المكانية التي شكلت مسرحا لأحداث هذه القصة، ومن هذه الإشارات نسجل : " الغابة التي تقع على بعد من المدينة ، ثم البقعة" .
         ولا شك أن هذه الأمكنة عبارة عن فضاءات عامة جد منسجمة مع حدث القصة. ولهذا الأمكنة دلالات عميقة إدا ما حاولنا ربطها ببرهان القصة "فالبقعة" هي بصيغة أخرى "الأرض" ولكن بمعنى اقتصادي نفعي ، من هنا يمكن القول أن موضوع الصراع الذي لم يكشف عنه السارد ليس سوى صراع حول امتلاك الأرض باعتبارها بيتا للوجود. وهناك مكان آخر قد ذكر في القصة و لا يقل أهمية عن المكان الأول وهو "الغابة" التي كانت مسرحا لهذه المبارزة .إن للغابة رمزية قوية تحيل على التوحش ، سيادة قانون القوة على حساب قوة القانون "قانون الغاب" .وإدا عدنا إلى شخصية العدو في القصة وجدناها متسمة بهذه الصفات "أحمق ، لا يعرف القانون ، قوي مما يعني أن هذا الصراع هو صراع بدائي تنتفي فيه قيم التحضر والإنسانية والثقافة لذلك جاء اختيار السارد لمكان في القصة من أجل إيصال هذه الدلالات الرمزية .
         وإذا انتقلنا إلى الطريقة التي يحضر بها السارد في هذه القصة ، فإن أول ما يستوقفنا هو الحضور المكثف لضمير الغائب "هو" الذي يعود على البطل، مما يدل على أن السارد ليس مشاركا في الأحداث. ومن الإشارات الدالة على ذلك نجد "وجد نفسه ، ابتلع ريقه، وأراد أن يدخل من الباب ..."
         أما بالنسبة للرؤية السردية فالملاحظ أنها تحضر بجميع أشكالها في النص، إذ نجد الرؤية من الخارج التي توضح قلة معرفة السارد بأفكار الشخصية في قوله: "إننا لا نستطيع أن نصف بالضبط ما كان يجول في دماغه..." أو في قوله " واقترب من رفيقه حيث همس له في أذنه بأشياء..." وعلى الرغم من حضور الرؤية السردية بجميع أنواعها ، فإن المهيمن على هذا النص هو " الرؤية في خلف " التي نجدها بقوة في قول السارد: رجع إلى نفسه يوبخها ، قال في نفسه: لاشك أن أصدقائي سيغتاطون إذا ما انسحبت... وتوضح لنا هذه الجمل قوة معرفة السارد بما يدور في نفسية شخصية البطل و ما يجول في أساريرها من أفكار وأحاسيس. وقد ساهمت هذه الرؤية في إبطال الفكرة المحورية التي أراد القاص تبليغها وهي أن الصراع الذي نخوضه في حياتنا هو صراع نفسي ، صراع حول القيم والمبادئ لذلك حاول تسليط الضوء على دواخل الشخصية ولم يهتم بمظهرها .
         لقد اعتمد الكاتب في سرده لوقائع هذه القصة على لغة تقريرية تستثمر مقرءات الحياة اليومية ولعل السبب في ذلك هو رغبته في التقاط مشهد من مشاهد الصراع الذي نعيشه في كل لحظة من حياتنا ولقد شهدنا في هذا النص قدرة بالغة في التقاط تفاصيل الحياة اليومية اجتماعيا ونفسيا في أسلوب بشيط ومختزل استثمر فيه القاص كل الامكانات التي يتيحها "السرد والوصف والحوار" فيما يخص طريقة تقديمه للشخصيات من هنا نجد حضورا مكثفا للوصف الذي يتضافر مع الحوار الداخلي /المونولوغ ليصنع للقارئ مشهدا مكتملا يوهم بواقعيته – فإلى جانب النعوت والصفات التي  طبعت شخصية البطل من الناحية النفسية .نجد السارد يوظف الحوار الداخلي تاركا الفرصة للشخصية كي تعبر عن كل مواقفها لذلك وجد القارئ لهذا النص إضاءة شاملة لكل خبايا النفس البشرية وما تعرفه من صراع حول المبادئ والقيم.
3)   خاتمة:
من خلال ما سبق يمكن القول إن نص " مبارزة" يمثل لنا نموذج الفن القصصي بامتياز، وذلك من خلال حضور كل الخصائص النوعية المميزة، لهذا النوع الأدبي من أحداث وشخوص وفضاءات شكلت جميعها إطارا خاصا احتضن وقائع هذه القصة .ولعل القارئ لهذا النص يستطيع بسهولة الخلوص إلى الموقف الذي أراد المبدع محمد إبراهيم بوعلو  إيصاله إلى القارئ والرهان الذي عزم على التعبير عنه من أحداث ذات دلالات وإيحاءات رمزية ، ألا وهو الصراع الحقيقي الذي يخوضه على إنسان ما هو إلا الصراع مع النفس ، الصراع الداخلي أما الصراع الخارجي فليس سوى التجلي الظاهر لكينونة الانسان وما تحظى به من قيم ومبادئ لذلك نجد البطل في الأخير بعد كل ذلك الصراع الذي خاضه مه عدو يستيقظ من منامه ليجد بأنه كان يصارع قيما ، أفكارا ومبادئ.
حرر 26/02/2012
من طرف الأستاذ : محمد شفيق

هناك 7 تعليقات: