الجمعة، 3 أبريل 2015

تحليل نص نقدي

  تحليل نص نقدي

=== مكون النصوص ===== تحليل  نص نقدي ====== المستوى : السنة 2 من س.ب.آداب ="القيم الاجتماعية الجديدة في رواية دفنا الماضي"
 لعبد الكريم غلاب

المنهج الاجتماعي هو منهج نقدي يدرس النصوص الأدبية من منظور مدى تعبيرها عن الوسط الاجتماعي الذي أنتجها ، وبدلك يتعامل مع الظاهرة الأدبية في صلتها بشروط إنتاجها الاجتماعي وليس بوصفها ظاهرة مستقلة كما يبحث عن العلاقات التي تربط الإبداع الأدبي بالشروط الاجتماعية المؤطرة له عبر تتبع الخلفيات الاجتماعية المتحكمة في إنتاجه واستهلاكه على اعتبار أن الأديب لا يعيش معزولا عن بيئته ومجتمعه مما يجعل كتاباته تعبيرا عن العلاقات الاجتماعية.وقد أسس لهذا المنهج مجموعة من المفكرين والنقاد في الثقافة الغربية أمثال جورج لوكاتش ولوسيان غولدمان خلال بداية القرن20 كما لقي هذا المنهج ترحيبا واسعا في الثقافة العربية فاشتغل عليه مجموعة من النقاد أمثال حميد الحمداني ونجيب العوفي ، وكذا الناقد المغربي الأمين العمراني في مجموعة من كتاباته على غرار مؤلفه النقدي "الرواية المغربية بين قيود التأثر ومغامرة التجريب "التي أخذ منها هدا النص.
فإلى أي حد يمثل هذا النص خصائص ومقولات المنهج الاجتماعي؟
وماهي الآيات الحجاجية و الإقناعية التي ساهمت في اتساق النص وانسجامه؟
يحيلنا عنوان النص "القيم الاجتماعية الجديدة في رواية دفنا الماضي" إلى وجود علاقة وطيدة بين القيم الاجتماعية من جهة ومضامين رواية دفنا الماضي من جهة ثانية ،ولعل وجود هذه العلاقة يكشف عن أبرز مبدأ في النقد الاجتماعي الذي يجعل العلاقة بين المجتمع والأدب جوهر نظريته. وإذا انتقلنا إلى الفقرة الأولى فأول ما يستوقفنا هو حضور بعض المثيرات اللفظية مثل: " القراءة الخلفية الدلالية لأحداثهاـ البشير بمجتمع أفضل" والتي تفضح انتماء النص إلى جنس المقالة النقدية من هنا يمكن افتراض أن النص عبارة عن مقالة نقدية سيدرس فيها الناقد رواية دفنا الماضي من منظور مدى تعبيرها عن قيم اجتماعية جديدة تصبوا إليها وذلك عن طريق تجاوز قيم أخرى سلبية سائدة.
يقدم الناقد الأمين العمراني في هذا النص قراءة نقدية لتجربة الروائي المغربي عبد الكريم غلاب وذلك خلال مؤلفه الروائي دفنا الماضي ويرى في هذه الدراسة أن :
·        رواية دفنا الماضي تعبر من خلال أحداثها ووقائعها من قيم جديدة جاءت في سياق التبشير بمجتمع جديد فالمجتمع القديم كان يغوص في قيم سلبية كالتمييز والفوارق الطبقية والاجتماعية أما المجتمع الجديد فهو الأفق الذي تبشر به الرواية ،مجتمع أساسه المساواة، الحب والعدل.ويفسر الناقد هذا التبشير بخصوصية المجتمع المغربي سياسيا حيث يستحضر لنا فترة خروج البلاد من مرحلة الانغلاق وانفتاحها على العالم المتحرر الديمقراطي المؤمن بالإنسان وبكرامته .وقد عبرت الرواية عن كل هذا بمجموعة من الآليات إذ عبرت شخصياتها في عدد من المقاطع السردية عن نبذها لمجموعة من الأعراف كالنخاسة في مقطع خاص بشخصية عبد الرحمان وبذلك تكون هذه الرواية صورة للمجتمع في فترة من فتراته التاريخية.
·        وقد توصل الناقد إلى هذا التفسير عن طريق اشتغاله على آليات الكتابة عند "عبد الكريم غلاب" خصوصا في هذه الرواية إذ توقف عند شخصياته فوجد أنها إحالات رمزية للمجتمع المغربي وقضاياه وتناقضاته هكذا اعتمد على شخصية عبد الرحمان التي تتماهى مع شخصية المؤلف وذلك من أجل انتقاد قضايا المجتمع كقضية " النخاسة – علاقة الرجل بالمرأة – مفهوم الحب ". وقد فسر الناقد هذا الأمر بوجود نزعة إصلاحية تنهض بها الرواية ،سخر فيها "عبد الكريم غلاب" كل آليات الكتابة السردية من أجل جعلها بؤرة عمله الروائي سواء على المستوى الأسلوبي أو على المستوى التعبيري .وبهذا جعل مواقفه الإصلاحية تشكيلا جديدا لوعي ممكن أراد فيه تجاوز الواقع الكائن الذي يكبل العلاقات الإنسانية ويعرقل تحررها .وتأسيس مجتمع جديد أكثر تحررا ومساواة وانسجاما وتقدما .
وفي آخر هذه الدراسة توقف الناقد الأمين العمراني عند طبيعة الخاتمة التي اختارها غلاب نهاية لروايته "دفنا الماضي "إذ يرى أنها خاتمة موجزة تعطي أولوية لرسالة المبدع أكثر مما توليه لبعدها الجمالي التعبيري .وبذلك تكون خاتمة روايته دفنا الماضي رسالة إصلاحية تكشف عن الصراع الاجتماعي القائم. إنها تعبر عن صراع بين مجتمع ماضوي ومجتمع مستقبلي .بين الكائن والممكن ، بين القديم والجديد . وقد اختار غلاب جعلها نهاية سعيدة نظرا لأنه يأمل إلى تحقيق هذا الواقع الممكن بكل تفاؤل وتبشير وقوة يناهض بها الماضي ويدفنه ويمضي إلى تحقيق طموحاته .
يتبين من خلال قراءتنا المتأنية لهذه الدراسة أن الناقد في مقاربته لرواية "دفنا الماضي"" لعبد الكريم غلاب" كان يبحث عن العلاقة بين هذا النص الروائي وبين مرجعه الاجتماعي الذي أطره في المجتمع المغربي قبيل الاستقلال . وبذلك فإن الناقد يؤطر نفسه مبدئيا ضمن ما يسمى بالمنهج الاجتماعي ومن الملاحظ أنه لا يتحدث عن وجود علاقة انعكاسية آلية بين الرواية المدروسة والواقع على غرار ما نجده عند رائد هذا المنهج وهو جورج لوكاتش وإنما يتحدث عن وجود تفاعل بينهما حيث يجعل الرواية ناطقة بهموم الواقع المغربي في هذه الفترة من جهة ولكنها تعبر من جهة أخرى عن طموحات وآمال جديدة يصبو كل من الكاتب والمجتمع إلى تحقيقها فاستثمر بهذا نظرية لوسيان غولدمان في إطار ما سماه بالبنيوية التكوينية .لذلك نجد حضورا للجهاز المفاهيمي القائم على نوعين من الواقع .واقع كائن وآخر ممكن.
وإذا عدنا إلى معجم النص فسنجده طافح بمجموعة من المصطلحات التي تتوزع إلى حقلين بارزين حقل اجتماعي تمثله مصطلحات من قبيل (الواقع- مجتمع مغربي- البلاد- الاستقلال- قيم الحب العدل – المساواة) وحقل أدبي تؤطره مفردات خاصة بالرواية ووسائلها التعبيرية مثل " شخصية روائية – أسلوب سردي خلفية دلالية – رواية دفنا الماضي... "ومن خلال هذا الحضور المتوازن لهذين الحقلين تتجسد لنا العلاقة  الوطيدة بين المنظور الاجتماعي والمنظور الأدبي . من هنا يمكن القول إن الناقد يؤكد قدرة المنهج الاجتماعي على تفسير رواية دفنا الماضي وغيرها من الظواهر الأدبية.
وتتضح هذه الفكرة بالملموس من خلال تشغيله لعدد من المفاهيم النقدية كا " الوعي الكائن- الوعي الممكن – النقد الاجتماعي- المنظور الإصلاحي – الكتابة الواقعية" .
إذ يقصَد بالوعي الكائن تلك الأزمات التي يعيشها المجتمع ويـتخبط فيها لذلك  يطمح إلى تصحيحها أو تجاوزها محققا بذلك ما يسمى بالوعي الممكن .أما المنظور الإصلاحي فهو صياغة ضمنية لمفهوم الالتزام الذي يُنظر فيه إلى الأديب باعتباره رسولا يبلغ رسالة إصلاحية يكون فيها مقدرا لمسؤولياته إزاء المجتمع الذي يعيش فيه . وهذا ما يجعل كتاباته كتابة واقعية لا تنفصل عن المجتمع والمحيط الذي يعيشه الكاتب . والكتابة الواقعية نمط إبداعي ملتزم بقضايا الواقع والمجتمع وقد ساد خلال بدايات القرن 20  جاء على أنقاض" الكتابة الرومانسية "
وتتجاذب هذه المصطلحات النقدية مجموعة من الأطر المرجعية كالمرجعية الماركسية التي تجسدت في تشغيل الناقد لمفهوم الكتابة الواقعية والنزعة الإصلاحية والالتزام وهذه المفاهيم هي جوهر المنهج الاجتماعي الماركسي الذي طوره جورج لوكاتش.
كما تحضر المرجعية النقدية للمنهج البنيوي التكويني مع لوسيان غولدمان الذي تجلت لنا في تشغيل الناقد لمفهومي الوعي الكائن والوعي الممكن باعتبارهما الرحى التي تدور حولها نظرية غولدمان في قراءته الاجتماعية للنصوص الأدبية.
وقد جاءت هذه الأطر المرجعية بمثابة خلفية نظرية تأسست عليها كل مواقف الناقد تجاه رواية" دفنا الماضي" في إطار علاقتها بالواقع المغربي. مما اكسب مواقفه واستنتاجاته طابعا اقناعيا دقيقا .
أما لغة النص فقد تميزت بجنوحها نحو الطابع التقريري وقد تجسد ذلك في تشغيل الناقد لمفردات سهلة وواضحة يسعى من خلالها الناقد إلى مخاطبة أفهام المتلقي وتوضيح مواقفه بعيدا عن كل أشكال الإبهام أو التعقيد ونمثل لذلك بالمفردات التالية ( تصبو – يعتبر – الغد المشرق- الانفتاح – التحرر ... )
وليس اللغة فقط هي ما يعطي لهذا النص طابعه الاقناعي .فالنص النقدي هو بطبيعته نص إقناعي وبالتالي فإن الباحث عن عناصر الإقناع فيه لابد أن يقف أيضا على طرائق عرض الناقد لأفكاره ومواقفه حيث يظهر منذ البداية أن الناقد يتدرج بالقارئ من العام إلى الخاص حيث استهل دراسته بالحديث عن الخلفية الدلالية للرواية بصفة عامة ثم تدرج في تحديد جزئيات هذه الخلفية الرمزية على مستوى الشخصيات ومواقفها ورمزيتها لكي ينهي دراسته بالحديث عن رمزية خاتمة الرواية وبُعدها الإصلاحي وهذه الطريقة في العرض هي ما درجنا على تسميته  بالطريقة الاستنباطية .
ومن جهة أخرى يتضح أن هذه الدراسة كانت نتاج قراءة متأنية ومتفحصة لأعمال الروائي "عبد الكريم غلاب" ويظهر ذلك من خلال الاستشهادات والأمثلة التي عزز بها الناقد جهازه الاقناعي وتحضر في شكل مقتطفات من الرواية تحيل عليها صفحات مرقومة أثبتها الناقد في هوامش النص .ص 237 و ص (2) ولم يكتف الناقد بهذه الاستشهادات كأداة حجاجية بل سعى إلى إقناع القارئ بأدلة وبراهين أخرى نجد من بينها التمثيل ببعض أعراق المجتمع المغربي المنبوذة كـ: النخاسة ، الفوارق الطبقية، علاقة الرجل بالمرأة . كما يحضر السرد كذلك في استحضار الناقد لبعض الفترات العصيبة في تاريخ المغرب كـ: " الاستقلال – عودة الملك محمد الخامس من المنفى" كما اعتمد المقارنة بين ماض المجتمع المنبوذ ومستقبله المرغوب في إطار الصراع بين القديم والجديد وبين الكائن والممكن . والوصف في وقوفه عند الخصائص الأسلوبية والسردية للرواية كتحليل الشخصيات – الخاتمة- الأسلوب السردي- المضامين ...
وإذا انتقلنا إلى مظاهر اتساق النص وانسجامه فإن أول ما نسجله هو ذلك الحضور المكثف للعناصر اللغوية التي جعلت النص عبارة عن بنية متماسكة ومنسجمة تجلت أساسا في التماسك الحاصل بين المفردات والجمل المشكلة للنص. وبالعودة إلى جمل النص نجدها خاضعة لعملية بناء منظمة ومترابطة تركيبيا ودلاليا ومعجميا . وقد تحقق هذا الاتساق بواسطة مجموعة من الأدوات النحوية والدلالية والمعجمية فهناك:
الاتساق الدلالي : وقد تحقق بواسطة مجموعة من الضمائر وأسماء الإشارة التي حققت إحالات مقامية مثل: ( هذه القيم التي كانت تكبل العلاقات الإنسانية) أو (النخاسة التي كانت ...) وأما الإحالة النصية فقد ارتبطت بما تحيل إليه الضمائر من أفكار أو قضايا أو مواقف داخل النص مثل: (وهي خاتمة – وقائعها – فيه ...)
الاتساق المعجمي: وقد تحقق عبر التكرار المتطابق ( التبشير – العلاقات – المجتمع...) والتكرار المترادف ( إحداثها ووقائعها ) كما تحقق عبر التضام الذي ينبني على التضاد من جهة كـ: (الكائن الممكن – القديم الجديد – المناهضة التبشير) ومن جهة ثانية عن طريق التضمين الجزء في الكل: ( عبد الرحمان شخصية ضمن شخصيات الرواية – يجسد رؤية الإنسان المغربي...)
وقد ساهمت كل هذه العناصر اللغوية المحققة لاتساق النص في ترتيب أفكار الناقد اعتمادا على نظام تتابعي منطقي واستدلالي مما أعطاه طابعا نسقيا  .
من خلال ما سبق نخلص إلى القول إن الناقد الأمين العمراني قد حاول مقاربة العمل الإبداعي للروائي "عبد الكريم غلاب" على ضوء مفاهيم المنهج الاجتماعي وقد اتضح ذلك من خلال تشكيله لعدد من المفاهيم والمصطلحات النقدية التي كشفت عن درجة إيمانه بقدرة هذا المنهج على تفسير الخلفية الدلالية لأحداث رواية " دفنا الماضي" وقد اعتمد الناقد في هذه الدراسة على جهاز إقناعي حرص فيه على اتساق النص وذلك بتكثيف أدوات الربط ولإحالات والحجج والبراهين التي ساعدت المتلقي على منح النص انسجاما كاملا غير أن الناقد لم ينتبه إلى محدودية المنهج الذي شغله إذ نجده يقرأ الرواية على ضوء ما تحيل عليه في الواقع المغربي فجعل خصوصيات هذه الفترة بكل صراعاتها وتناقضاتها مجال لإسقاط مؤثرات خارجية على الرواية لذلك لاحظنا اهتماما بالغا بالمجتمع في  مقابل إغفال القيمة الجمالية والإبداعية للرواية بوصفها عالما متخيلا مستقلا وليس انعكاسا للواقع المغربي خلال فترة الاستعمار.
 أزيلال  29/04/2012
من طرف الأستاذ : محمد شفيق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق