الجمعة، 3 أبريل 2015

تحليل نص نقدي

  تحليل نص نقدي

=== مكون النصوص ===== تحليل  نص نقدي ====== المستوى : السنة 2 من س.ب.آداب ="القيم الاجتماعية الجديدة في رواية دفنا الماضي"
 لعبد الكريم غلاب

المنهج الاجتماعي هو منهج نقدي يدرس النصوص الأدبية من منظور مدى تعبيرها عن الوسط الاجتماعي الذي أنتجها ، وبدلك يتعامل مع الظاهرة الأدبية في صلتها بشروط إنتاجها الاجتماعي وليس بوصفها ظاهرة مستقلة كما يبحث عن العلاقات التي تربط الإبداع الأدبي بالشروط الاجتماعية المؤطرة له عبر تتبع الخلفيات الاجتماعية المتحكمة في إنتاجه واستهلاكه على اعتبار أن الأديب لا يعيش معزولا عن بيئته ومجتمعه مما يجعل كتاباته تعبيرا عن العلاقات الاجتماعية.وقد أسس لهذا المنهج مجموعة من المفكرين والنقاد في الثقافة الغربية أمثال جورج لوكاتش ولوسيان غولدمان خلال بداية القرن20 كما لقي هذا المنهج ترحيبا واسعا في الثقافة العربية فاشتغل عليه مجموعة من النقاد أمثال حميد الحمداني ونجيب العوفي ، وكذا الناقد المغربي الأمين العمراني في مجموعة من كتاباته على غرار مؤلفه النقدي "الرواية المغربية بين قيود التأثر ومغامرة التجريب "التي أخذ منها هدا النص.
فإلى أي حد يمثل هذا النص خصائص ومقولات المنهج الاجتماعي؟
وماهي الآيات الحجاجية و الإقناعية التي ساهمت في اتساق النص وانسجامه؟
يحيلنا عنوان النص "القيم الاجتماعية الجديدة في رواية دفنا الماضي" إلى وجود علاقة وطيدة بين القيم الاجتماعية من جهة ومضامين رواية دفنا الماضي من جهة ثانية ،ولعل وجود هذه العلاقة يكشف عن أبرز مبدأ في النقد الاجتماعي الذي يجعل العلاقة بين المجتمع والأدب جوهر نظريته. وإذا انتقلنا إلى الفقرة الأولى فأول ما يستوقفنا هو حضور بعض المثيرات اللفظية مثل: " القراءة الخلفية الدلالية لأحداثهاـ البشير بمجتمع أفضل" والتي تفضح انتماء النص إلى جنس المقالة النقدية من هنا يمكن افتراض أن النص عبارة عن مقالة نقدية سيدرس فيها الناقد رواية دفنا الماضي من منظور مدى تعبيرها عن قيم اجتماعية جديدة تصبوا إليها وذلك عن طريق تجاوز قيم أخرى سلبية سائدة.
يقدم الناقد الأمين العمراني في هذا النص قراءة نقدية لتجربة الروائي المغربي عبد الكريم غلاب وذلك خلال مؤلفه الروائي دفنا الماضي ويرى في هذه الدراسة أن :
·        رواية دفنا الماضي تعبر من خلال أحداثها ووقائعها من قيم جديدة جاءت في سياق التبشير بمجتمع جديد فالمجتمع القديم كان يغوص في قيم سلبية كالتمييز والفوارق الطبقية والاجتماعية أما المجتمع الجديد فهو الأفق الذي تبشر به الرواية ،مجتمع أساسه المساواة، الحب والعدل.ويفسر الناقد هذا التبشير بخصوصية المجتمع المغربي سياسيا حيث يستحضر لنا فترة خروج البلاد من مرحلة الانغلاق وانفتاحها على العالم المتحرر الديمقراطي المؤمن بالإنسان وبكرامته .وقد عبرت الرواية عن كل هذا بمجموعة من الآليات إذ عبرت شخصياتها في عدد من المقاطع السردية عن نبذها لمجموعة من الأعراف كالنخاسة في مقطع خاص بشخصية عبد الرحمان وبذلك تكون هذه الرواية صورة للمجتمع في فترة من فتراته التاريخية.
·        وقد توصل الناقد إلى هذا التفسير عن طريق اشتغاله على آليات الكتابة عند "عبد الكريم غلاب" خصوصا في هذه الرواية إذ توقف عند شخصياته فوجد أنها إحالات رمزية للمجتمع المغربي وقضاياه وتناقضاته هكذا اعتمد على شخصية عبد الرحمان التي تتماهى مع شخصية المؤلف وذلك من أجل انتقاد قضايا المجتمع كقضية " النخاسة – علاقة الرجل بالمرأة – مفهوم الحب ". وقد فسر الناقد هذا الأمر بوجود نزعة إصلاحية تنهض بها الرواية ،سخر فيها "عبد الكريم غلاب" كل آليات الكتابة السردية من أجل جعلها بؤرة عمله الروائي سواء على المستوى الأسلوبي أو على المستوى التعبيري .وبهذا جعل مواقفه الإصلاحية تشكيلا جديدا لوعي ممكن أراد فيه تجاوز الواقع الكائن الذي يكبل العلاقات الإنسانية ويعرقل تحررها .وتأسيس مجتمع جديد أكثر تحررا ومساواة وانسجاما وتقدما .
وفي آخر هذه الدراسة توقف الناقد الأمين العمراني عند طبيعة الخاتمة التي اختارها غلاب نهاية لروايته "دفنا الماضي "إذ يرى أنها خاتمة موجزة تعطي أولوية لرسالة المبدع أكثر مما توليه لبعدها الجمالي التعبيري .وبذلك تكون خاتمة روايته دفنا الماضي رسالة إصلاحية تكشف عن الصراع الاجتماعي القائم. إنها تعبر عن صراع بين مجتمع ماضوي ومجتمع مستقبلي .بين الكائن والممكن ، بين القديم والجديد . وقد اختار غلاب جعلها نهاية سعيدة نظرا لأنه يأمل إلى تحقيق هذا الواقع الممكن بكل تفاؤل وتبشير وقوة يناهض بها الماضي ويدفنه ويمضي إلى تحقيق طموحاته .
يتبين من خلال قراءتنا المتأنية لهذه الدراسة أن الناقد في مقاربته لرواية "دفنا الماضي"" لعبد الكريم غلاب" كان يبحث عن العلاقة بين هذا النص الروائي وبين مرجعه الاجتماعي الذي أطره في المجتمع المغربي قبيل الاستقلال . وبذلك فإن الناقد يؤطر نفسه مبدئيا ضمن ما يسمى بالمنهج الاجتماعي ومن الملاحظ أنه لا يتحدث عن وجود علاقة انعكاسية آلية بين الرواية المدروسة والواقع على غرار ما نجده عند رائد هذا المنهج وهو جورج لوكاتش وإنما يتحدث عن وجود تفاعل بينهما حيث يجعل الرواية ناطقة بهموم الواقع المغربي في هذه الفترة من جهة ولكنها تعبر من جهة أخرى عن طموحات وآمال جديدة يصبو كل من الكاتب والمجتمع إلى تحقيقها فاستثمر بهذا نظرية لوسيان غولدمان في إطار ما سماه بالبنيوية التكوينية .لذلك نجد حضورا للجهاز المفاهيمي القائم على نوعين من الواقع .واقع كائن وآخر ممكن.
وإذا عدنا إلى معجم النص فسنجده طافح بمجموعة من المصطلحات التي تتوزع إلى حقلين بارزين حقل اجتماعي تمثله مصطلحات من قبيل (الواقع- مجتمع مغربي- البلاد- الاستقلال- قيم الحب العدل – المساواة) وحقل أدبي تؤطره مفردات خاصة بالرواية ووسائلها التعبيرية مثل " شخصية روائية – أسلوب سردي خلفية دلالية – رواية دفنا الماضي... "ومن خلال هذا الحضور المتوازن لهذين الحقلين تتجسد لنا العلاقة  الوطيدة بين المنظور الاجتماعي والمنظور الأدبي . من هنا يمكن القول إن الناقد يؤكد قدرة المنهج الاجتماعي على تفسير رواية دفنا الماضي وغيرها من الظواهر الأدبية.
وتتضح هذه الفكرة بالملموس من خلال تشغيله لعدد من المفاهيم النقدية كا " الوعي الكائن- الوعي الممكن – النقد الاجتماعي- المنظور الإصلاحي – الكتابة الواقعية" .
إذ يقصَد بالوعي الكائن تلك الأزمات التي يعيشها المجتمع ويـتخبط فيها لذلك  يطمح إلى تصحيحها أو تجاوزها محققا بذلك ما يسمى بالوعي الممكن .أما المنظور الإصلاحي فهو صياغة ضمنية لمفهوم الالتزام الذي يُنظر فيه إلى الأديب باعتباره رسولا يبلغ رسالة إصلاحية يكون فيها مقدرا لمسؤولياته إزاء المجتمع الذي يعيش فيه . وهذا ما يجعل كتاباته كتابة واقعية لا تنفصل عن المجتمع والمحيط الذي يعيشه الكاتب . والكتابة الواقعية نمط إبداعي ملتزم بقضايا الواقع والمجتمع وقد ساد خلال بدايات القرن 20  جاء على أنقاض" الكتابة الرومانسية "
وتتجاذب هذه المصطلحات النقدية مجموعة من الأطر المرجعية كالمرجعية الماركسية التي تجسدت في تشغيل الناقد لمفهوم الكتابة الواقعية والنزعة الإصلاحية والالتزام وهذه المفاهيم هي جوهر المنهج الاجتماعي الماركسي الذي طوره جورج لوكاتش.
كما تحضر المرجعية النقدية للمنهج البنيوي التكويني مع لوسيان غولدمان الذي تجلت لنا في تشغيل الناقد لمفهومي الوعي الكائن والوعي الممكن باعتبارهما الرحى التي تدور حولها نظرية غولدمان في قراءته الاجتماعية للنصوص الأدبية.
وقد جاءت هذه الأطر المرجعية بمثابة خلفية نظرية تأسست عليها كل مواقف الناقد تجاه رواية" دفنا الماضي" في إطار علاقتها بالواقع المغربي. مما اكسب مواقفه واستنتاجاته طابعا اقناعيا دقيقا .
أما لغة النص فقد تميزت بجنوحها نحو الطابع التقريري وقد تجسد ذلك في تشغيل الناقد لمفردات سهلة وواضحة يسعى من خلالها الناقد إلى مخاطبة أفهام المتلقي وتوضيح مواقفه بعيدا عن كل أشكال الإبهام أو التعقيد ونمثل لذلك بالمفردات التالية ( تصبو – يعتبر – الغد المشرق- الانفتاح – التحرر ... )
وليس اللغة فقط هي ما يعطي لهذا النص طابعه الاقناعي .فالنص النقدي هو بطبيعته نص إقناعي وبالتالي فإن الباحث عن عناصر الإقناع فيه لابد أن يقف أيضا على طرائق عرض الناقد لأفكاره ومواقفه حيث يظهر منذ البداية أن الناقد يتدرج بالقارئ من العام إلى الخاص حيث استهل دراسته بالحديث عن الخلفية الدلالية للرواية بصفة عامة ثم تدرج في تحديد جزئيات هذه الخلفية الرمزية على مستوى الشخصيات ومواقفها ورمزيتها لكي ينهي دراسته بالحديث عن رمزية خاتمة الرواية وبُعدها الإصلاحي وهذه الطريقة في العرض هي ما درجنا على تسميته  بالطريقة الاستنباطية .
ومن جهة أخرى يتضح أن هذه الدراسة كانت نتاج قراءة متأنية ومتفحصة لأعمال الروائي "عبد الكريم غلاب" ويظهر ذلك من خلال الاستشهادات والأمثلة التي عزز بها الناقد جهازه الاقناعي وتحضر في شكل مقتطفات من الرواية تحيل عليها صفحات مرقومة أثبتها الناقد في هوامش النص .ص 237 و ص (2) ولم يكتف الناقد بهذه الاستشهادات كأداة حجاجية بل سعى إلى إقناع القارئ بأدلة وبراهين أخرى نجد من بينها التمثيل ببعض أعراق المجتمع المغربي المنبوذة كـ: النخاسة ، الفوارق الطبقية، علاقة الرجل بالمرأة . كما يحضر السرد كذلك في استحضار الناقد لبعض الفترات العصيبة في تاريخ المغرب كـ: " الاستقلال – عودة الملك محمد الخامس من المنفى" كما اعتمد المقارنة بين ماض المجتمع المنبوذ ومستقبله المرغوب في إطار الصراع بين القديم والجديد وبين الكائن والممكن . والوصف في وقوفه عند الخصائص الأسلوبية والسردية للرواية كتحليل الشخصيات – الخاتمة- الأسلوب السردي- المضامين ...
وإذا انتقلنا إلى مظاهر اتساق النص وانسجامه فإن أول ما نسجله هو ذلك الحضور المكثف للعناصر اللغوية التي جعلت النص عبارة عن بنية متماسكة ومنسجمة تجلت أساسا في التماسك الحاصل بين المفردات والجمل المشكلة للنص. وبالعودة إلى جمل النص نجدها خاضعة لعملية بناء منظمة ومترابطة تركيبيا ودلاليا ومعجميا . وقد تحقق هذا الاتساق بواسطة مجموعة من الأدوات النحوية والدلالية والمعجمية فهناك:
الاتساق الدلالي : وقد تحقق بواسطة مجموعة من الضمائر وأسماء الإشارة التي حققت إحالات مقامية مثل: ( هذه القيم التي كانت تكبل العلاقات الإنسانية) أو (النخاسة التي كانت ...) وأما الإحالة النصية فقد ارتبطت بما تحيل إليه الضمائر من أفكار أو قضايا أو مواقف داخل النص مثل: (وهي خاتمة – وقائعها – فيه ...)
الاتساق المعجمي: وقد تحقق عبر التكرار المتطابق ( التبشير – العلاقات – المجتمع...) والتكرار المترادف ( إحداثها ووقائعها ) كما تحقق عبر التضام الذي ينبني على التضاد من جهة كـ: (الكائن الممكن – القديم الجديد – المناهضة التبشير) ومن جهة ثانية عن طريق التضمين الجزء في الكل: ( عبد الرحمان شخصية ضمن شخصيات الرواية – يجسد رؤية الإنسان المغربي...)
وقد ساهمت كل هذه العناصر اللغوية المحققة لاتساق النص في ترتيب أفكار الناقد اعتمادا على نظام تتابعي منطقي واستدلالي مما أعطاه طابعا نسقيا  .
من خلال ما سبق نخلص إلى القول إن الناقد الأمين العمراني قد حاول مقاربة العمل الإبداعي للروائي "عبد الكريم غلاب" على ضوء مفاهيم المنهج الاجتماعي وقد اتضح ذلك من خلال تشكيله لعدد من المفاهيم والمصطلحات النقدية التي كشفت عن درجة إيمانه بقدرة هذا المنهج على تفسير الخلفية الدلالية لأحداث رواية " دفنا الماضي" وقد اعتمد الناقد في هذه الدراسة على جهاز إقناعي حرص فيه على اتساق النص وذلك بتكثيف أدوات الربط ولإحالات والحجج والبراهين التي ساعدت المتلقي على منح النص انسجاما كاملا غير أن الناقد لم ينتبه إلى محدودية المنهج الذي شغله إذ نجده يقرأ الرواية على ضوء ما تحيل عليه في الواقع المغربي فجعل خصوصيات هذه الفترة بكل صراعاتها وتناقضاتها مجال لإسقاط مؤثرات خارجية على الرواية لذلك لاحظنا اهتماما بالغا بالمجتمع في  مقابل إغفال القيمة الجمالية والإبداعية للرواية بوصفها عالما متخيلا مستقلا وليس انعكاسا للواقع المغربي خلال فترة الاستعمار.
 أزيلال  29/04/2012
من طرف الأستاذ : محمد شفيق

تحليل قصيدة حداثية


المستوى : السنة الثانية من سلك البكالوريا-آداب
======= تحليل النموذج الشعري الأول من مجزوءة تكسير البنية  ======================
قصيدة : تموز جيكور : لبدر شاكر السياب
 [...]
تنتظم هذه القصيدة دلاليا وفق لحضات ثلات، نسجت وفق مقاطع مرقمة، وإذا تأملنا مطلع كل مقطع منها، فستجد أن هذا المقطع يستوعب ثقلا دلاليا لما تموج به القصيدة من معاني ، من هنا يمكن القول إن مطلع كل لحظة من هذه اللحظات يفضح أكبر قدر من سرية النص.
1-     ناب الخنزير يشق يدي : الاستسلام لضرورة الآخر(الخنزير)
2-     جيكور ستولد جيكور ترقب الولادة.
3-     هيهات أتولد جيكور؟ : استبعاد الولادة والعودة إلى الاسلام.
ويبدوة جليا ما بين هذه المقاطع من توتر وقلق ، دفع الشاعر إلى قراءة وضعيته الأليمة ووضعية المكان الذي نشأ وترعرع فيه بعيون الأسطورة – اسطورة تموز- لذلك نعيد طرح السؤال الجوهري في إطار ما تمدنا به الأسطورة من زخم دلالي حول العلاقة الغرامية بين تموز وعشتار. من الذي يقابل تموز في القصيدة ، وملاهي معشوقته؟ وإذا كانت الأسطورة تحكي عن الموت الذي يعقبه الانبعات فهل سيبعث الخصب وتخضر مراعي جيكور ومروجها؟؟ .
            الحقيقة أن هذه القصيدة تبني دلالاتها وفق مقدمتين ونتيجة مناقضة إذ يلتحف الشاعر بقناع تموز مبرزا مالحقه من ألم المرض العضال الذي لا يفارقه بل يؤجج لظاه ليسري في كل أحشاء جسمه. وبهذا تكتمل لدينا الصورة التي أراد شاعرنا أن يسيجها في الأسطورة. فتموز (أدونيس) إذن هو الشاعر أما عشتار الحبيبة فما هي إلا التجلي الدائم والحاضر لقرية الشاعر جيكور. من هنا يغدو الكائن المتوحش الذي يفرق بين الثنائي المنسجم بالحب والتفاني. هو الخنزير (المرض).
            ففي المقطع الأول إذن ينسج الشاعر تجربته مع جيكور بخيوط أسطورة تموز كاشفا عن بعض الخصائص الدقيقة التي تميزهما عن تموز وعشتار. إذ نعرف أن جسد تموز القتيل أضحى شقائق نعمان وقمح من هنا جاءت رمزية هذه الأسطورة للخصب والانبعاث وتجدد البعث في فصل خاص هو فصل الربيع. فماذا عن جسد الشاعر؟ إن جسد الشاعر لم يغد شقائقا أو قمحا ولكن ملحا . فهل الملح ترمز إلى الخصب؟ قطعا لا لأن الأرض المالحة لا تصلح للحرث والزراعة من هنا كانت «الملح». كناية عن الجفاف – وعن الأرض الجرداء- فلمادا لم تكتمل صورة البعث إدن كما اكتملت في الأسطورة؟.
            السبب في ذلك يرجع إلى ترقب الشاعر للموت« ترف أتواب= الأكفان». ترف حيالي الأعشاب الأعشاب الملتفة حول قبر الشاعر. من نعل يخفق – نعل مشيعي جثمانه . وبعد هذه النبرة المسكونة بالاستسلام الذي تفوح منه رائحة الموت يستعيض الشاعر بالاستسلام نبرة جديدة مفعمة بالحلم والترقب والتمسك بالحياة ( لو أسقى، لو أنهص) لكن سرعان ما يتحول هذا البصيص من الأمل المتأجج إلى عتمة وموت .
            أما المقطع الثاني ففيه تتجلى لنا وضعية جيكور- الحبيبة في مشهد شبيه بالحلم المنتظر عندما تخضر البيادر وتورق أزهارها من تضحية الشاعر ومن دمه من جسده المسجى في ليل الطين الممدود المفرغ من كل معاني الحياة إلا من الدود الذي ينخر عظامه.
            وفي الأخير يأتي المقطع الثالث بنبرة اعتراف باستحالة الولادة بعد موت الحبيب (الشاعر) وهذا ما يفضي به إلى الاستسلام (هيهات أتولد جيكور...) من هنا نلمح بعض التغيير في الأسطورة . فإدا كانت عشتار وتموز رمزين للبعث والخصب وإن كان ذلك على حساب موت العاشق . فإننا هنا ندرك أن موت الشاعر رهين بموت جيكور وانبعاتها رهين بشفائه. ولما كان الشفاء مستحيلا وغدا معه الحلم (الغيمة) رملا منتورا . فلا حياة إذن ولا خصب عندما ينتصر الموت.
والمتأمل في هذه القصيدة يلفي أن هناك مجموعة من الثنائيات الضدية التي تؤثت دلالاتها مثل الموت " الحياة/ الذات " المكان الظلمة " الضياء/ الخصب" الجفاف. وعلى الرغم من تعددها فإن ما يوحد بينها هو دلالة الانهزام لذات شاعرة تعاين خرابها مكتفية بالأماني التي لا تأتي أمام المصير المحتوم . وإذا حاولنا أن نسيج كلمات القصيدة في معجم خاص، فلا شك أن الخصب والجفاف هو المفتاح الكفيل بإقحام القارئ داخل هذا النفس الدرامي المحتضر الذي ينتظر حتفه. وتؤثث المعجم الأول كلمات من قبيل [ أحيا،أعشاب، أسقى... ] أما المعجم الثاني فيحتضن كل المفردات الدالة على الأرض الجرداء[ ملح، كومة أعواد، رمل] ولا شك أن التناقض هو ما ينسج بين الحقلين مادام المرض هو المانع الذي يرفض جمعهما معا فيلقي بالشاعر إلى الهلاك وجيكور إلى الخراب.
            ولعلنا نعاين بالملموس مدى خروج هذه القصيدة عن تقاليد المعجم التقليدي والرومانسي معا، لأن أولى مؤشرات تكسير بنية القصيدة في هذا المستوى هو استعمال ألفاظ مألوفة لكنها ممتلئة بطاقات إيحائية جد مكثفة تحول دون إمكانية فهم المحتوى الدلالي اعتماداعلى المباشرة من هنا أصبح الإيحاء والترميز شعارا لعلاقة الدوال بمدلولاتها. وتطرد هذه الخاصية لتلقي بظلالها على مستويات أخرى في القصيدة إذ نجد الصور الشعرية فيها حبلى بدلالات عميقة تقتضي قارئا خاصا متشعب المعارف مدركا للتاريخ بأساطيره ومأثوراته الشعبية في كل الثقافات الإنسانية. ولعل أول ما نشير إليه بهذا الخصوص .حضور أسطورة تموز البابلية باعتبارها قناعا يخفي وراءه وجه الشاعر ووجه قريته جيكور من هنا تخترق قراءتنا لسيرة الشاعر الدرامية قراءة أخرى للأسطورة بوصفهما معا وجهان لجدلية واحدة ، جدلية الموت والانبعاث .كما أن لجوء الشاعرإلى الأسطورة هنا يفسر لنا رغبة الشاعر في جعلنا نطل على وضعيته المأسوية في مرآتها وكأنه يدعونا إلى اختزال المسافة بيت الحقيقة والخرافة، مؤكدا أن لا وجود لهذا التمييز ما دامت وقائعنا أحيانا تشبه الأسطورة بفداحتها وهول آثارها.
            واستعمال الشاعر لهذا النمط الجديد لم يمنعه من استثمار صور تقليدية معهودة كالتشبيه " نعل يخفق كالبرق"كاشفا عن وطأة الموت وقوته، كما تحضر الاستعارة بشكل مهيمن يتخلل كل جسد القصيدة كما هو الحال في الأمثلة التالية : « النحل يوسوس أسراري» ،« دمائي تظلم»« حقد الخنزير» إذ كانت هذه الاستعارات منفدا يفضح دلالات الانهزام والاستسلام التي حاول الشاعر تسييجها بالأماني والأحلام.
            وكما أشرنا سابقا فإن مجمل هده الصور المستعملة تؤدي وظيفة تعبيرية كاشفة عن هموم الذات المندغمة والذائبة مع المكان «جيكور» فكان مشهد هذه الذات هو الوعي بأن الأسطورة قد اتخدت مكانتها المكيدة في سياق الواقعي . فليس في وسع القصيدة أو الشاعر أن يغيير واقعه بالحلم لأن ذلك بالنسبة له بمثابة الوقوع تحت سلطة القدر.
            وإذا انتقلنا إلى المستوى الأسلوبي والتركيبي ، فإن أول ما يطالعنا في هذه القصيدة هو دلك التوزيع المنتظم للأفعال الذي يتماشى مع دلالات النص. ففي المقطع الأول تهيمن أفعال سكونية آنية مستلهمة معنى الانهزام أمام الموت مثل « يغوص ، يتدفق، يخفق يرف ينساب» ومعنى ذلك أن الذات تكون ضحية مفرغة من التحدي والتصدي للموت المحتوم أما المقطع الثاني ينضح بأفعال مستقبلية مكثفة بدلالات الترقب والانتظار مثل: " ستولد، سيورق، سيفيض، سيضحك" وتتناقض هذه الأخيرة مع الأفعال المستعملة في المقطع الأخير الدالة على الاستحالة والقلق والحيرة «أتولد ، أينبتق، أيسقسق. .. » وبهذا نقول أن هذه الأفعال تساير تلك التحولات والاضطربات التي أشرت عليها القصيدة.
            ونسجل في هذا المستوى أيضا تلك الطريقة التي يشتغل بها الشاعر على محوري اللغة .الاستبدالي والتركيبي. ولعل ما يميز هذه الطريقة هي محاولة نسج علاقات منطقية بين ألفاظ متنافرة دلاليا مثل: «أعشاب من نعل يخفق كالبرق،  لساني كومة أعواد» ولعل هذه العلاقات اللغوية الجديدة هي ما ساهم في جعل انزياحات الأسلوب محور الغموض الدلالي في القصيدة .
            أما على صعيد موسيقية القصيدة فلا شك أن القارئ يستطيع استكاه نغمة متوترة تتردد بين ثنايا هذه القصيدة . ولم يكن مبعث هذه الموسيقية مما ألفناه من وحدة القافية والروي والوزن. بل من جوانب أخرى ينبع منها صوت الشاعر الجريح المحتضر الذي يئن ويحن إلى معانقة مسقط راسه قبل أن تتصاعد زفرات روحه المحتضرة . فعلى المستوى الخارجي نسجل في البداية أن القصيدة تسير وفق النسق الايقاعي لبحر المتدارك أو ما جرى على تسميته بالخبب، حيث استبدال الشاعر تفعيله      « فاعلن» يتفعيلة محاصرة بالزحافات المتعددة «فاعل» التي يقتضي فيها القصر بحدف ساكن السبب الخفيف وتسكين ما قبله وتارة تأتي بالخبن بعد حذف ثانيها الساكن /"فعلن".
            وعلى الرغم من كون القصيدة تجري على وزن من الأوزان الخليلية ، فإن تجليات تكيسير البنية العروضية تكاد تلقي بظلالها على جميع مكونات الايقاع .إذ عمد الشاعر إلى توزيع تفعيلية «فعلن» بشكل متفاوت يتماشى والدفقة الشعورية المتأججة في دواخله لذلك جاءت أسطر القصيدة متفاوتة الطول من جهة،ومعتمدة على تتميم معاني النص وبناء دلالاته بشكل متدرج بين الأسطر الشعرية.
            ولم يقتصر هذا التكسير على مستوى الأوزان بل تجاوز ذلك لينسحب على مستوى القافية والروي ، إذ تأتي الأولى متواترة في أغلب الأبيات اللهم من بعض الاستثناءات "الالق – تنطبق"غير أنها تتردد بين المقيد « حلوة – ظلمة » والمطلقة « برق – دنيا ». وهي تحاكي بذلك انقباض نفس الشاعر وإطلاقها مصورة بذلك ألم الاحتضار والموت المتدرج.
            كما ساهم الروي هو الآخر في الكشف عن معاني التوتر والاضطراب مما جعله يتردد بين حروف عدة (الدال، الحاء، الباء، القاف، الميم...) من هدا المنطلق يمكن القول أن الشاعر تتماشى نفسيته الراغبة في التحرر من ربقة الموت ومن سجن المرض وعذاباته .مع تلك القيود التي تكبل لسانه وتمنع صوته من الانطلاق في الهواء محملا بآهات دمه . دون أن ننسى ما ساهم فيه الإيقاع الداخلي بتكراراته وتوازياته من خلق منابع جديدة تنساب موسقية وإيقاعا.
 [...]
هكذا نصل في الأخير إلى القول إن قصيدة تموز جيكور لم تكن رثاء ذاتيا بقدر ما هي تصوير لمشهد درامي وجودي لصورة الذات أمام الموت ، ولم تكن هذه الذات مفردا بقدر ما كانت ذائبة مع الجماعة ومع المكان «جيكور» وعلى الرغم من الصيغة الأسطورية التي نسجت بها أسطر القصيدة .فقد كانت صورة الشاعر واضحة أكثر من وضوحها في المرآة.
            فإدا كانت المرآة تكشف السطح والملامح فإن القصيدة تفضح ما يموج به خيال الشاعر في أعماق روحه الجريحة عندما اختار أن يجعل من الكلمات أداة لتذويب أكداس آلامه مع حبر القصيدة. من هنا نجد قدرة فائقة في تكسير بنية الشعر التقليدية خصوصا عندما اختار الشاعر تفتيت نمطية الشطرين بنظام السطر والتنويع في القوافي والأرواء وتكثيف موضوع الموت كإشكالية وجودية. فلا غرو إذن أن يكون السياب رائدا لهذا النمط الشعري الجديد .   

تحليل نص قصصي

المستوى : السنة الثانية من سلك البكالوريا-آداب
مكون النصوص
============== تحليل  نص قصصي – ص 150 مبارزة لمحمد إبراهيم بوعلو==========
1)   مقدمة:
أمام  سرعة التحولات الاجتماعية التي شهدها المجتمع العربي خلال القرن 20، ظهرت مجموعة من الأشكال الأدبية النثرية كالمسرحية والمقالة والقصة.
وقد اعتبرت القصة أنسب الفنون الأدبية لتعبير عن تفاعلات الحياة اليومية ومشكلاتها . وهي من الفنون السردية التي تتسم بقدرتها الفائقة على التقاط تفاصيل الحياة الاجتماعية نظرا لما يتيحه لها قالبها التخيلي الذي يصيغ حياة أخرى كمرآة للحياة الواقعية التي تعيشها .ولعل من أبرز من مثل هذا النمط الأدبي في العالم العربي نذكر تيمور ، نجيب محفوظ والمبدع المغربي محمد إبراهيم بوعلو وهو من المبدعين المغاربة الذي خلوفوا إرثا ثقافيا متنوعا بين الابداعات الأدبية والدراسات النقدية. والنص الذي نحن بصدده نموذج من النماذج الإبداعية لهذا الكاتب . فما هي خصائص التجربة القصصية للمبدع     " محمد إبراهيم بوعلو" ؟ وماهي أبعادها الإيحائية والرمزية؟ .
2)     العرض:
لعل من أولى التبعات التي تستوقف القارئ في مستهل هذا النص هي العنوان ، فقد جاء الأخير مختزلا في كلمة واحدة "مبارزة " عير أن ما يحمله من ثقل دلالي ، قادر على إعطائنا صورة بانورامية شاملة عن موضوع هذا النص ، وبالتالي يمكن القول إن العنوان يوحي بوجود صراع بين شخصين أو أكثر حول قضية بالغة الأهمية ولعل هذا الموضوع هو ما سيشكل الحدث المحوري في فضاء هذا النص من هنا يمكن أن نفترض بأن النص عبارة عن قصة ، سيصور فيها السارد مشهدا من مشاهد الصراع البشري الذي نصادفه في كل لحظة من حياتنا اليومية تحكي قصة "مبارزة " عن حالة صراع ثنائي بين البطل وغريمه ، إلا أن هذا الصراع لم يحدث منذ البداية بسبب عدم تكافئ الطرفين من حيث القوة .ولعل هذا هو ما عطل حصول هذا المشهد الذي طال انتظاره من لدن المتفرجين المتعطشين لشل هذا المشاهد الدرامية .
ولكن على الرغم من محاولات البطل في تفادي المبارزة التي سيذهب ضحيتها لا محالة فقد حدث في آخر المطاف أن وافق على منازلة غريمه لعدة اعتبارات ظلت تراوده : كالإحراج والشرف والحب. ولم يكن القارئ بمنأى عما أحسه المتفرجون من شوق حارق لرؤية هذا المشهد إلا أن آماله ستتبدد في نهاية المطاف عندما ننطلي عليه حيلة السارد، ويكتشف في الأخير أن المشهد كله ليس سوى حلم أو كابوس سيندثر بمجرد استيقاظ البطل من نومه.
        وعلى الرغم من تأكيد السارد على أن القصة مجرد حلم إلا أنها تحمل دلالات رمزية تجعلها صورة مختزلة للواقع فعلى الرغم من بساطتها التي قد تحدث في كل لحظة من حياتنا اليومية دون أن ننتسبه إلى مستوى أهميتها فإن حضورها في هذا العمل القصصي يكسبها بعدا اجتماعيا تجسد في تبئير السارد على النوازع والقيم التي تتحكم في سلوكات وانفعالات كل فرد، فلم يكن البطل قادرا على منازلة غريمه لولا أنه أحس بضرورة الحفاظ على شرفه الذي يعطي معنى لوجوده، وهناك قيم أخرى تحضر بوصفها حوافز تتحكم في انفعالات كل فرد وهي الحب، الغيرة، الاحراج، إنها عبارة عن ثوابت تتحكم بقوة في تركيبة النفس البشرية، بل أكثر من ذلك فهي منبع قوة كل فرد إذ لا يكسب رهانه إلا بحضورها و لاينهزم إلا بغيابها ، ولا يمكن إلغاء حضور البعد السياسي لهذه المعاني أيضا فإذا صح أن تكون حبيبة البطل صورة رمزية للوطن، فإن غريمه ليس سوى العدو المتربص للاستحواذ على هذا الوطن ، لذلك اختار البطل الدفاع عن حرمته بدافع الحب والغيرة والشرف.
        وإذا انتقلنا إلى الحديث عن الطريقة التي انتظمت بها أحداث القصة ، فلا يسعنا أن نقول إلا أنها لم تخرج عن البناء النمطي المنتظم في وضعيات ثلاث (وضعية البداية - وضعية التحول – وضعية النهاية) حيث استهل السارد هذه القصة برسم الفضاء العام المؤطر لحدث المبارزة: فصور لنا نفسية الجمهور بمن فيه رفقاء البطل وهم جميعا متعطشون لرؤية هذا المشهد في مقابل نفسية البطل الذي يمتلكه الخوف والضعف والإحساس بالهزيمة قبل أوانها. وقد ساد في هذه الوضعية نوع من الهدوء والاستقرار . غير أن هذا الهدوء سيتبدد بمجرد إدراك البطل بأن الانسحاب سيفقده كل شيء يعطي لوجوده معنى "خطيبته – شرفه" وظل البطل متأرجح بين الأخذ بالمبارزة أو الانسحاب ، ناظرا إلى رفاقه نظرة الخائب الذي غدر به أصدقائه في حالة الشدة.
وقد ساهمت كل هذه النوازع النفسية المتناقضة في تعقد الأحداث لكن في الأخير سيختار البطل حلا ينهي به هذه الحرب النفسية وهو أن يأخذ سيفه الصقيل وينزل للمبارزة. أما مرحلة النهاية فقد ارتأى فيها السارد أن يكشف في حيلته للقارئ وذلك بتذكيره إياه بأن القصة بكاملها لم تكن سوى كابوس ليلي.
وبالنظر إلى هذه الطريقة في عرض الأحداث وسردها يمكن أن نستنتج بأن السارد اعتمد على تقنية السرد المتسلسل، الذي تجيد فيه قدرته على الحفاظ على خطية الأحداث وعلى تسلسلها المنطقي دون أن يلجأ إلى تقديم حدث على حدث آخر .
أما على صعيد الشخصيات ، فهلنا نستطيع التمييز في هذا العمل القصصي بين شخصيات رئيسية تجسدت لنا شخصيتي البطل وغريمه بوصفهما أبرز من شكل الإطار الخاص لحدث المبارزة .أما باقي الشخوص الحاضرة في هذا المشهد فلم تكن سوى شخوص ثانوية كـ( ( خطيبة البطل- رفقاؤه – الجمهور) وإذا توقفنا قليلا عند الشخصيتين الرئيسيتين فسنجد بأن التناقض هو ما يجمعهما.إذ البطل متسم بالخوف والانهزامية عكس غريمه الذي ظل يمثل موقع قوة ( خصم جبار، شجاع /لايحترم القوانين) إلا أن السمات المميزة للبطل سوف تتأتى بتغير أفكارها ومواقفه حيث سيتخذ الشجاعة والمبادرة بديلين موضوعيين للخوف والانسحاب .
وبالرجوع إلى العلاقة التي تربط بين شخوص هذه القصة سنجد بأن حدث الصراع سيشكل البؤرة التي ستتحلق حولها شبكة من العلاقات القائمة بين الشخصيات .من هنا كان البطل ممثلا لدور "الذات" الرغبة في " الموضوع " وهو تحقيق البطولة والحفاظ على الشرف .وقد كان "المرسل " الذي دفع الذات إلى تحقيق الموضوع هو قيم " الحب الغيرة، والدفاع عن حرمة البطل " فكلا هذه القيم كانت بمثابة حوافز أدت بالبطل إلى تغيير موقفه من فكرة الانسحاب- أما "المرسل إليه" الذي من أجله أراد البطل تحقيق هذه البطولة فيمثله عنصران : خطيبة البطل خوفا من فقدان الشرف والأصدقاء خوفا من العار والإحراج ويمكن تمثيل شبكة العلاقات القائمة بين شخوص  هذه القصة في الخطاطة العاملية التالية:
الذات            

المرسل :
الحب – الغيرة – الشرف

البطل  المرسل إليه:
خطيبة البطل  - أصدقاؤه
                        صراع

المعارض                                            الموضوع:
الخوف – الانسحاب – الضعف                     الحفاظ                                                        على الشرف والخطيبة  
المساعد :
الشجاعة المبادرة الداتية....


وتحمل هذه الشخصيات بالنظر إلى الأدوار التي أسندها لها السارد ، دلالة رمزية عميقة فإذا نظرنا إليها من حيث كونها شخصيات أدمية فإنها ترمز إلى أنماط بشرية مختلفة تدخل في تركيبة المجتمع العربي وفي مجتمعنا نجد نمطا بشريا يعشق الفرجة فقط دون أن يكون له موقف أو مبادرة . والصورة المصغرة لهذا النمط هي صورة أصدقاء البطل الذين لم تحرك فيهم قيمة الصداقة الرغبة في الدفاع والتضحية، أما الغريم فيرمز إلى العدو والظلم في علاقته بالبطل .أما خطيبة البطل فهي صورة مختزلة لقيم، الشرف، العرض، الحرمة ، وشرعية الامتلاك ، لذلك جسدها السارد في صورة خطيبة للزواج بالبطل وليست عشيقة له أو محبوبته.
وإذا انتقلنا إلى عنصر الزمن بوصفه أحد خصائص القصة ، فإن أول ما سنسجله هو الحضور الخافت للإشارات الزمنية الدالة على فترة وقوع الحدث. ولكن رغم غياب الزمن الفلكي ، فإن الزمن النفسي كفيل بتأطير حيثيات الحدث، إذ إن نفسية البطل التي تتسم بالخوف والفزع والتردد في القبول بالمنازلة أو الانسحاب من ساحة المعركة نجدها قد تحكمت في الإيقاع المتباطئ للحدث ( قال في نفسه ، تساءل في سره) وقد عمل هذا الحوار الداخلي على تعطيل الحدث الذي لم نلتمس حضوره إلا في آخر فقرة.
وهناك مؤشر آخر دال على هذا الزمن النفسي، وهو وقوع الحدث في الحلم فقط. ولاشك أن هذه الفترة التي سيستغرقها البطل في كابوسه لم تدم سوى لحظات قصيرة إلا أن هذه اللحظات ، رغم قصرها قد شكلت الإطار العام للقصة بكاملها . وهنا نستحضر التقنيات التي وظفها السارد في تطويل هذا المشهد.ومنها تقنية "الوقفة" التي فسحت له المجال لوصف حيثيات الحدث والتفصيل فيه طيلة سطور وفقرات هذا النص.
         وعلى عكس الزمن، نجد حضورا مهما للإشارات المكانية التي شكلت مسرحا لأحداث هذه القصة، ومن هذه الإشارات نسجل : " الغابة التي تقع على بعد من المدينة ، ثم البقعة" .
         ولا شك أن هذه الأمكنة عبارة عن فضاءات عامة جد منسجمة مع حدث القصة. ولهذا الأمكنة دلالات عميقة إدا ما حاولنا ربطها ببرهان القصة "فالبقعة" هي بصيغة أخرى "الأرض" ولكن بمعنى اقتصادي نفعي ، من هنا يمكن القول أن موضوع الصراع الذي لم يكشف عنه السارد ليس سوى صراع حول امتلاك الأرض باعتبارها بيتا للوجود. وهناك مكان آخر قد ذكر في القصة و لا يقل أهمية عن المكان الأول وهو "الغابة" التي كانت مسرحا لهذه المبارزة .إن للغابة رمزية قوية تحيل على التوحش ، سيادة قانون القوة على حساب قوة القانون "قانون الغاب" .وإدا عدنا إلى شخصية العدو في القصة وجدناها متسمة بهذه الصفات "أحمق ، لا يعرف القانون ، قوي مما يعني أن هذا الصراع هو صراع بدائي تنتفي فيه قيم التحضر والإنسانية والثقافة لذلك جاء اختيار السارد لمكان في القصة من أجل إيصال هذه الدلالات الرمزية .
         وإذا انتقلنا إلى الطريقة التي يحضر بها السارد في هذه القصة ، فإن أول ما يستوقفنا هو الحضور المكثف لضمير الغائب "هو" الذي يعود على البطل، مما يدل على أن السارد ليس مشاركا في الأحداث. ومن الإشارات الدالة على ذلك نجد "وجد نفسه ، ابتلع ريقه، وأراد أن يدخل من الباب ..."
         أما بالنسبة للرؤية السردية فالملاحظ أنها تحضر بجميع أشكالها في النص، إذ نجد الرؤية من الخارج التي توضح قلة معرفة السارد بأفكار الشخصية في قوله: "إننا لا نستطيع أن نصف بالضبط ما كان يجول في دماغه..." أو في قوله " واقترب من رفيقه حيث همس له في أذنه بأشياء..." وعلى الرغم من حضور الرؤية السردية بجميع أنواعها ، فإن المهيمن على هذا النص هو " الرؤية في خلف " التي نجدها بقوة في قول السارد: رجع إلى نفسه يوبخها ، قال في نفسه: لاشك أن أصدقائي سيغتاطون إذا ما انسحبت... وتوضح لنا هذه الجمل قوة معرفة السارد بما يدور في نفسية شخصية البطل و ما يجول في أساريرها من أفكار وأحاسيس. وقد ساهمت هذه الرؤية في إبطال الفكرة المحورية التي أراد القاص تبليغها وهي أن الصراع الذي نخوضه في حياتنا هو صراع نفسي ، صراع حول القيم والمبادئ لذلك حاول تسليط الضوء على دواخل الشخصية ولم يهتم بمظهرها .
         لقد اعتمد الكاتب في سرده لوقائع هذه القصة على لغة تقريرية تستثمر مقرءات الحياة اليومية ولعل السبب في ذلك هو رغبته في التقاط مشهد من مشاهد الصراع الذي نعيشه في كل لحظة من حياتنا ولقد شهدنا في هذا النص قدرة بالغة في التقاط تفاصيل الحياة اليومية اجتماعيا ونفسيا في أسلوب بشيط ومختزل استثمر فيه القاص كل الامكانات التي يتيحها "السرد والوصف والحوار" فيما يخص طريقة تقديمه للشخصيات من هنا نجد حضورا مكثفا للوصف الذي يتضافر مع الحوار الداخلي /المونولوغ ليصنع للقارئ مشهدا مكتملا يوهم بواقعيته – فإلى جانب النعوت والصفات التي  طبعت شخصية البطل من الناحية النفسية .نجد السارد يوظف الحوار الداخلي تاركا الفرصة للشخصية كي تعبر عن كل مواقفها لذلك وجد القارئ لهذا النص إضاءة شاملة لكل خبايا النفس البشرية وما تعرفه من صراع حول المبادئ والقيم.
3)   خاتمة:
من خلال ما سبق يمكن القول إن نص " مبارزة" يمثل لنا نموذج الفن القصصي بامتياز، وذلك من خلال حضور كل الخصائص النوعية المميزة، لهذا النوع الأدبي من أحداث وشخوص وفضاءات شكلت جميعها إطارا خاصا احتضن وقائع هذه القصة .ولعل القارئ لهذا النص يستطيع بسهولة الخلوص إلى الموقف الذي أراد المبدع محمد إبراهيم بوعلو  إيصاله إلى القارئ والرهان الذي عزم على التعبير عنه من أحداث ذات دلالات وإيحاءات رمزية ، ألا وهو الصراع الحقيقي الذي يخوضه على إنسان ما هو إلا الصراع مع النفس ، الصراع الداخلي أما الصراع الخارجي فليس سوى التجلي الظاهر لكينونة الانسان وما تحظى به من قيم ومبادئ لذلك نجد البطل في الأخير بعد كل ذلك الصراع الذي خاضه مه عدو يستيقظ من منامه ليجد بأنه كان يصارع قيما ، أفكارا ومبادئ.
حرر 26/02/2012
من طرف الأستاذ : محمد شفيق

الشعر الحر

3- انشطة تطبيقية:
- ما الأسطورتين الموظفتين في النصين التاليين ؟وما علاقتهما بتجربة الشاعر؟ وما الداعي إلى توظيفهما؟ 


سأصير يوما ما أريد
سأصير يوما طائرا ، وأسلٌ من عدمي
وجودي . كلٌما احترق الجناحانِ
اقتربت من الحقيقةِ ، وانبعثت من
الرمادِ . أنا حوار الحالمين ، عزفْت
عن جسدي وعن نفسي لأكْمِل
رحلتي الأولى إلي المعني ، فأحرقني
وغاب . أنا الغياب . أنا السماويٌ
الطريد
سأصير يوما ما أريد
 الشاعر:....................................
 القصيدة:....................................
الديوان:....................................

من هو"السماوي الطريد":......................إلى ماذا يرمز في النص:.................................................
.................................................................................................................................
.................................................................................................................................
................................................................................................................................
.................................................................................................................................
.................................................................................................................................
.................................................................................................................................
.................................................................................................................................
.................................................................................................................................
....................................................................................................................................
....................................................................................................................................
...................................................................................................................................
 ...................................................................................................................................



وعلٌِميني الشِعْر
قد تحتاج بنت ما إلي أغنية
لبعيدها : (( خذْني ولو قسْرا
إليك ، وضعْ منامي في
يديْك )) . ويذهبان إلي الصدي
متعانِقيْنِ / كأنٌني زوٌجت ظبيا
شاردا لغزالة / وفتحت أبواب
الكنيسةِ للحمام “ / وعلٌِميني
الشِعْر / منْ غزلتْ قميص
الصوف وانتظرتْ أمام الباب
أوْلي بالحديث عن المدي ، وبخيْبةِ
الأملِ : المحارب لم يعدْ ، أو
لن يعود ، فلست أنت من
انظرت...
....................................................................................................................................
....................................................................................................................................
....................................................................................................................................
....................................................................................................................................
....................................................................................................................................
....................................................................................................................................
....................................................................................................................................
......................................................................................


- أين يتجسد لك تكسير القصيدتين  لبنية الشعر التقليدي:
على مستوى الشكل: .................................................................................................................................................
على مستوى المضمون( الأغراض): .....................................................................................................................................
- تخترق قراءتنا للنص الأول تيمات تجعل الشاعر متجسدا في أشكال متنوعة، وأفكارمجردة: استخرج هذه التيمات مفسرا أبعادها الدلالية:
.................................................................................................................................................................................
.................................................................................................................................................................................
..................................................................................................................................................................................
.................................................................................................................................................................................
- في النص الثاني  نجد شتاتا دلاليا متناثرا بين الاسطورة وواقع الشاعر.غير أن هذا الشتات الدلالي يمكن استجماع اجزائة إذا انطلقنا من الثنائيات الضدية
التي تنهض بها هذه القصيدة:حاول إبراز هذه الثنائيات موضحا  حضورها في النص ومبرزاعلاقتها بالواقع الذي يتحدث عنه الشاعر؟
1-.................................................................................................................................................................................
.................................................................................................................................................................................
.................................................................................................................................................................................
..................................................................................................................................................................................
2-.................................................................................................................................................................................
.................................................................................................................................................................................
................................................................................................................................................................................
.................................................................................................................................................................................


- في النص الثاني ملمح جديد على مستوى اللغة الموظفة ،استخرجه ومثل له من النص: .................................................................................................................................................................................
.................................................................................................................................................................................
-اين يتجلى لك التجديد على مستوى اللغة والمعجم في النصين أعلاه:
.................................................................................................................................................................................
.................................................................................................................................................................................
..................................................................................................................................................................................
.................................................................................................................................................................................
.................................................................................................................................................................................

أعد صياغة الأسطر الشعرية للنص الأول اعتماداً على التوزيع العددي المنتظم للتفعيلات:
...................................
.....................................................
.....................................
............................................
..............................
.....................................
.....................................................
...........................................................
.................................................
ما هو النسق الإيقاعي الذي نظمت وفقه القصيدة: ...............................................................................................................
ما هي التغيرات التي لحقت هذا البحر: .1.......................(...........................)2...........................(....................................)
هناك ظاهرة إيقاعية ناتجة عن طبيعة توزيع التفعيلة؟ما هي.....................................مثال لها في النص.............................................
- ضع تركيبا منسجما تبين فيه مدى تمثيل النصين لقصيدة التفعيلة،موضحا تجليات تكسير البنية فيهما شكلا و مضمونا.
.................................................................................................................................................................................
.................................................................................................................................................................................
..................................................................................................................................................................................
.................................................................................................................................................................................
.................................................................................................................................................................................
.................................................................................................................................................................................
..................................................................................................................................................................................
.................................................................................................................................................................................
-عد إلى مؤلف "ظاهرة الشعر الحديث"واستخرج مختلف المواقف النقدية الموجهة لهذا التيار الشعري على صعيدي الشكل والمضمون :
.................................................................................................................................................................................
.................................................................................................................................................................................
.................................................................................................................................................................................
..................................................................................................................................................................................

.................................................................................................................................................................................